كبار السن في مخيمات إدلب..معاناة لا تنتهي والمنظمات ترفض تسجيلهم في ملفات مستقلة
مريم الغريب–إدلب
يُكابِدُ كبار السن قسوة الحياة في مخيمات النزوح في ظل الفقر والوحدة والبعد عن الأبناء، بعد أن أجبرهم القصف والمعارك بين قوات الحكومة السورية والفصائل الموالية لتركيا على النزوح من ديارهم إلى الخيم التي أصبحت مستقراً لهم.
وتُرِكَ الكثير من المسنين في المخيمات لوحدهم،ليواجهوا تحديات الحرب والعوز، وهم يفتقدون لمعيل يكفل لهم نفقات الحياة اليومية. ففي الوقت الذي يكافح الأبناء لتأمين لقمة عيشهم أو يبحثون عن أمان نسبي لأطفالهم، يُترَك الآباء والأمهات بمفردهم، يعيشون في قلق وهموم كثيرة لتأمين احتياجاتهم.
“حنان الفارس/ 66 عاماً”، النازحة من مدينة “خان شيخون” إلى مخيم عشوائي على أطراف مدينة “سرمدا” شمالي إدلب، تعيش مع حفيدتها أوضاعاً مأساوية، حيث تضطر للعمل في ورشة زراعية رغم إصابتها بمرض “الربو”؛ لتأمين احتياجاتها الأساسية، وعن ذلك تقول: “أعيش مع حفيدتي البالغة من العمر /9/ سنوات، والتي فقدت والديها بغارة حربية، وليس لنا معيل إلا الله تعالى، لذا نضطر للعمل معاً في الأعمال الزراعية لنؤمن مصروفنا اليومي”.
وتبين أن ما يحصلا عليه من أجر يومي بالكاد يكفي لشراء الأدوية الخاصة بها، والحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية.
كذلك السبعيني “محمد العلوش” الذي يعيش في مخيم قريب من مدينة إدلب، يضطر للعمل بسبب الحاجة، حيث يبيع على عربة جوّالة الذرة صيفاً والفول شتاء، لتحصيل مصروفه مع زوجته، وعن ذلك يقول: “رزقت بثلاث فتيات، وبعد زواجهن، أصبحت أعيش مع زوجتي لوحدنا في خيمة صغيرة، لذا أضطر للعمل لتأمين مصروفنا اليومي”.
ويشير أنه كان يملك في قريته عدداً من الأراضي الزراعية قبل نزوحه، ويعيش من مردودها، لكنه الآن يجد العمل في جر العربة صعب عليه وهو في هذه السن، لكنه “أفضل من الحاجة للآخرين وانتظار المساعدات والسلل الإغاثية التي توزعها المنظمات شهراً وتقطعها أشهراً”، وفقاً لـ”علوش”.
كما يجتمع النزوح وتردي الأحوال الصحية عند الكثير من المسنين في مخيمات إدلب، ليزيد من معاناتهم.
“كاملة البرّي/ 59 عاماً”، وهي أيضاً نازحة من بلدة “خان السُّبُل” إلى مخيم عشوائي في بلدة “كلّي” شمالي إدلب، تعاني من أمراض الكلى والضغط والسكري، ويزيد من أوجاعها غلاء أسعار الأدوية، إضافة إلى بُعدِ المراكز الصحية عن المخيم، وعن ذلك تقول: “أجد صعوبة كبيرة في مراقبة حالتي الصحية المتدهورة، ففي معظم الأحيان أعجز عن توفير ثمن الأدوية، أو وسيلة نقل تقلني إلى المشافي أو المراكز الصحية”.
وتبيّن “البرّي” أنها لا تحصل على حصة إغاثية لأنها تعيش بمفردها بعد وفاة زوجها، لافتةً أن أختها التي تعيش في تركيا تتذكرها بمبلغ مالي بين الحين والآخر لتؤمن من خلاله احتياجاتها الملحة.
وأشارت إلى أن ظروفها قبل الحرب كانت أفضل، فقد كان لديها بيت يأويها وتوجد فيه كل مقومات الحياة الكريمة، لكن كل ذلك تدمّر بسبب الحرب والنزوح.
من جانبها العاملة في مجال الصحة المجتمعية “ريماس العلوان/ 41 عاماً”، من مدينة “معرة مصرين” شمالي إدلب، تتحدث لمنصة “مجهر” عن معاناة فئة المسنين بالقول: “يعاني كبار السن بعد نزوحهم من مدنهم وقراهم إلى المخيمات التي تغيب عنها أبسط احتياجاتهم نتيجة وعورة الطرقات، والعيش في خيم قماشية لا تحميهم من البرد أو الحر”.
وتشير إلى أن معظم المسنين يعتمدون بشكلٍ أساسي على السلل الغذائية والمساعدات التي تُقدَّم لهم، لكنّ المنظمات بمعظمها ترفض تسجيلهم في ملفات مستقلة، فتقوم بإضافتهم إلى عائلة أولادهم أو عائلات أخرى، ما يؤدّي إلى نقص في حصص المساعدات التي قد يحصلوا عليها.
وتلفت أن كبار السنّ بمعظمهم يعانون من صعوبة في تلقي العلاج والانتقال إلى المراكز الطبية التي تقع عادة خارج المخيّمات، ولا يملكون المال لدفع أجرة وسائل النقل للتوجه إلى تلك المراكز، أو دفع بدلات المعاينة للأطباء أو حتى شراء الأدوية.
وتشدد “العلوان” على دور منظمات المجتمع المدني في حمايتهم وتقديم ما يلزم لهم، فضلاً عن ضرورة إنشاء دور رعاية لحفظ كرامتهم، وخاصة المسنات اللواتي فقدن مُعيلهُنَّ.
ويشير تقرير لـ”منسقي استجابة سوريا” إلى وجود نحو /417/ ألف مسن ومسنة في شمال غرب سوريا، منهم /175/ ألفاً يعيشون في مخيمات للنازحين، الأمر الذي يؤكد الحاجة العاجلة لتوفير مراكز رعاية متخصصة لتلبية احتياجات هذه الفئة من المجتمع.