كيف أثّر قرار منع “التربية السورية” قبول الاستقالات والإجازات على المعلمين؟
حسنا بيطار- دمشق
قدَّمت “يمام”، (اسم مستعار)، وهي معلمة للغة العربية في الثانوية العامة في منطقة “المزة 86″، وهي من سكان “جديدة الفضل” في ريف دمشق، طلب إجازة لوزارة التربية السورية ؛ كونها تدرّس ضمن كلية الإعلام في العام الثاني، لكن طلبها قوبل بالرفض، وفقاً لما قالته “يمام”.
وأضافت: “قدَّمتُ طلباً للحصول على إجازة؛ خوفاً من أن ألحق ضرراً بالطلاب، بسبب دراستي، لكن تم رفض الطلب، كوني أحمل شهادة في اللغة العربية، قالوا لي هذا اختصاصك مارسيه، ولا داعي للأحلام”.
وتتابع “يمام” حديثها لمنصة “مجهر”: “هذا الكلام الذي أسمعه مراراً جعلني أتغيّب عن الجامعة، وأرسب، وأهدرت سنوات من عمري، لم ألقَفيها سوى النتائج السلبية، فمنزلي يبعد كيلومترات قليلة عن المدرسة التي أدرّس بها، وبرنامج الدوام لم يكن منصفاً لي أو مناسباً مع دوام الجامعة، وأنا نادمة على دخولي مهنة التدريس”.
الاستقالات والإجازات “ممنوعة”
وكان وزير التربية السورية “محمد عامر المارديني” قد أصدر قراراً بإيقاف التفويضات الممنوحة لمديري التربية ومحافظي المدن، طلب فيه إيقاف طلبات الإجازة الخاصة بلا أجر والاستقالة والنقل، لأي سبب اضطراري وتحت أي ظرف كان.
وبرَّرَ مدير مديرية التنمية الإدارية في وزارة التربية، “سامر الخطيب”، تعميم الوزارة بنقص الكوادر، وكثرة طلبات الاستقالة في هذه الفترة، مضيفاً أن الاستقالة حق للعامل وقبولها حق للإدارة، ما اضطر الوزارة لوضع ضوابط للأمر، وهو إجراء مؤقت، ومجرد اكتمال النقص قد يتم تعديل بنوده، وفق قوله.
“لا أملك واسطة”
تقول “بشرى”، (اسم مستعار)،وهي معلمة بمدرسة في منطقة “جرمانا” بدمشق: “تقدَّمت بطلب إجازة لاستكمال دراستي في الماجستير –إدارة أعمال، وقانونياً يحق لي أن أُمنحَ إجازة، لكن طلبي قوبل بالرفض؛ لأنني لا أملكُ واسطة، فزميلي في المدرسة تمت الموافقة على طلب إجازة له لأنه يملك واسطة!”.
وتتابع “بشرى/ 26 عاماً”: “لقد تعبت ولم يعد بإمكاني تحمل الضغط والتمييز بين المدعوم وغيره، والتعب دون فائدة، حتى لا أستطيع تقديم طلب استقالة، فهذا ممنوع بسبب القرار الغبي والمجحف وغير المدروس وعديم الهدف والقيمة، والذي يمكن القول بأنه أسوأ قرار”.
وتضيف بقولها: “بعد تفكير؛ حاولت أن أساعد نفسي وأعزيها بالأمل وطلبت أن أنتقل إلى مدرسة قريبة من منزلي، فأنا أسكن في منطقة “عش الورور”، ومن التوصيات الوزارية توطين التعليم للمعلم والطالب، أي أن يوضع الأستاذ في مدرسة قريبة من منطقته، ولكنني تفاجأت بمنع النقل، ويجب عليَّ يومياً أن أتحمَّلَ التوقيت المتغير في فصلي الشتاء والصيف، ومصاريف النقل وصعوبته، لأصل في الوقت المناسب، إضافة إلى كلمات المديرة السيئة بحجة التأخير”.
وتضيف: “للأسف لم أجد طريقة لأنصف نفسي سوى أن أشتكي عبر برنامج إذاعي يُدعى (مصلحة عامة) لمقدمه (وهّاج عزّام).
وتابعت بالقول: بعد الترجي الطويل وتدخُّل الواسطات”؛ خجل المدير ونقلني إلى مدرسة بعيدة عن منزلي أيضاً، ولكن كما يقولون (الرَّمَدُأفضل من العمى)، لكنني وصلت لمرحلة من التعب النفسي والضغط وانعدام الشغف في هذه المهنة التي أحبها كثيراً، وكان لدي حلم بأن أبدع بها؛ كوني مدرسة لمادة الرياضيات والمحاسبة، وقد وصلت لمرحلة أهملت فيها مشاعري ورغبتي وحبي للعمل، كونه من الواجب عليَّ الاستيقاظ كل صباح لأتحمَّلَ الضغط إدارياً وطلابياً ونفسياً”.
“18 دولار.. راتب المعلم”
القرارات الوزارية وقلة الراتب مقارنة بالأوضاع المعيشية، دفعت العديد من المدرسين للابتعاد عن مهنتهم واللجوء لأعمال أخرى.
واستقر متوسط الراتب الحكومي في سوريا بنهاية 2010 عند حدود /8000/ ليرة سورية، أي ما يقارب /170/ دولاراً عندما كان سعر صرف الدولار الواحد /47/ ليرة سورية، فيما لا يتعدى حالياً”بعد الزيادة”،/18/ دولاراً أمريكياً.
وتستطرد “بشرى” بالقول: “ما حصل لي جعلني اضطرُّ إلى حسم قراري ومعالجة الأمور بطريقة تعسفية وأنا مجبرة عليها؛ وهي الانقطاع عن الدوام حتى 15 يوماً، وبذلك اعتبر بحكم المستقيل، ومن ثمّ أتعرّض للمحاكمة وللرقابة، وما إلى ذلك من العقوبات، ولكنني بِتُّ مستعدة لأن أخالف القانون وأترك عملي الذي أحبه؛ رغم أني الآن معيلة لعائلتي بعد وفاة والدي، وليس لديهم مصدر دخل آخر، ولكن الأهم الآن أن أرتاح، فظروف العمل في هذه المهنة ويومي الذي أقضيه على الطرقات، جعلني أتغيب عن حياتي وعائلتي”.
وشهدت مؤسسات الحكومة السورية، موجة من الاستقالات الجماعية للموظفين، إذ يسعى من يستقيل إلى البحث عن فرصة عمل توفر له بعض المال لمواجهة أعباء الحياة، لا سيما أن راتب الموظف لا يتجاوز /18/ دولاراً بأحسن الأحوال.