زواج الأقارب في إدلب.. أطفال ضحايا الأمراض الوراثية
مريم الغريب –إدلب
ينتشر زواج الأقارب في إدلب بشكل كبير، بحكم عادات وتقاليد تمنع زواج الفتاة من شخص غريب، في حال تقدم ابن عمها أو أحد من أقربائها للزواج بها، دون مراعاة ما يسببه زواج الأقارب من آثار سلبية على صحة الأبناء الجسدية والعقلية.
طفلة مصابة بمرض الثلاسيميا كانت حصيلة زواج “نهال العيدو/ 22 عاماً”، من ابن عمها منذ قرابة خمس سنوات.
وقالت “نهال” في تصريح لمنصة “مجهر”: “ليس للفتاة أن تقول “لا” حين يتقدم ابن عمها للزواج بها، واليوم تصارع ابنتي المرض أمام عيني دون أتمكن من إيجاد علاج لها، رغم عرضها على أكثر من طبيب”.
لم تتمكن “نهال” من حبس دموعها وهي تقول: “كنت في الخامسة عشرة من عمري حين طلبني ابن عمي للزواج، ولم أستطع الدفاع عن رأيي ورغبتي بعدم الزواج، خوفاً من والدي وأخوتي الذين يعتبرون الأنثى دون رأي، ويجب عليها تنفيذ رغبة الأب والأخ دون اعتراض”.
تلفت “نهال العيدو” أن ابنتها بحاجة لنقل الدم كل أسبوعين، لذا تضطر لقضاء عدة ساعات في المشفى، مؤكدة أن بعض الأطفال في المركز الذي تزوره يحتاجون إلى تبديل الدم كل 15 يوماً، أما البعض الآخر فيبدل دمه كل شهر تقريباً وفق درجة المرض.
كذلك “نور الإبراهيم/ 26 عاماً”، من بلدة “كفربني” شمالي إدلب، كانت ضحية زواج الأقارب الذي لاتزال أسرتها متمسكة به، وعن ذلك تقول: “تتمسك عائلتي بهذا الزواج بحجة أنه عزوة ويحافظ على أملاك الأسرة، ويضمن اختيار زوج معروف الأصل والأخلاق، ويزيد الروابط بين أبناء العائلة الواحدة”.
وتؤكد “الإبراهيم” أنها تزوجت من ابن عمها الذي يكون ابن خالتها أيضاً، وبعد سنة واحدة استقبلت مولودها الأول بفرحة عارمة، ولكن حياتها تحولت إلى جحيم بعد اكتشاف إصابته بضمور دماغي وإعاقة جسدية.
وتبيّن أن المشاكل بدأت بين أهلها وأهل زوجها الذين أصروا على تزويج ابنهم مرة ثانية من امرأة قادرة على إنجاب أطفال أصحاء.
وتشير”الإبراهيم” أنها عادت إلى منزل أهلها مكسورة القلب والخاطر، تحمل طفلها المريض بين ذراعيها، بعد أن كبّلتها الهموم والأحزان منذ صغر سنها، مؤكدة أن همها الأول والأخير هو البحث عن علاج لابنها من مرضه، لعله يعيش حياته بشكل طبيعي كبقية الأطفال.
وتشاطر هؤلاء النسوة المعاناة “سلام البكّار/ 28 عاماً”، وهي النازحة من مدينة “خان شيخون” إلى مخيم “قاح” شمالي إدلب، حيث نتج عن زواجها من ابن خالها، طفلاً سليماً، وآخر كفيفاً منذ الولادة، وعن ذلك تقول: “قمنا بعرض ولدي البالغ من العمر سنتين على الأطباء، الذين أكدوا أن صلة القرابة بيني وبين زوجي هي السبب الرئيسي في حالته وإعاقته”.
- وأكدت”البكّار” أنها توقفت عن الإنجاب مرغمة، وعن ذلك تقول: “لا أريد أن أجني على أطفال آخرين، ليعيشوا حياتهم كلها تحت رحمة الإعاقة”.
الطبيب “سليم علاوي/ 35 عاماً”، من مدينة “سرمدا” شمالي إدلب يتحدث لمنصة “مجهر” عن الأمراض الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب بالقول: “الأمراض الوراثية هي تلك التي تحدث بسبب خلل في المادة الوراثية للفرد، وهي تختلف في انتقالها إلى الجنين، فهناك بعض الأمراض يستلزم أن يكون كلا الوالدين حاملين للجين لينتقل المرض إلى الطفل، بينما تحدث أمراض أخرى في حال كان أحد الوالدين حاملاً للجين، ما قد يهدد بإصابة الطفل بهذا المرض”.
ويؤكد أن زواج الأقارب “يتسبب في العديد من المشاكل الصحية والأمراض الخَلْقية للأطفال، منها الثلاسيميا والربو وأمراض الكبد، وكذلك مرض تحلل الجلد الفقاعي وهو غير معدٍ ويصاب به الأطفال، ويؤدي لتحلل جلد الطفل بعد الولادة مباشرة؛ ومن الصعب علاجه لأنه عبارة عن فقاقيع مائية منتشرة في جسد الطفل، مما يؤدي إلى النزيف والألم، وقد يؤثر على حياة الطفل بشكل كبير إذا لم يعالج”.
ويلفت الطبيب أن اضطرابات التوحد أيضاً من الأمراض الناتجة عن زواج الأقارب، وهو عبارة عن حالة ترتبط بنمو الدماغ وتؤثر على كيفية تمييز الشخص للآخرين والتعامل معهم على المستوى الاجتماعي، مما يتسبب في حدوث مشكلات في التفاعل والتواصل الاجتماعي، كما يتضمن الاضطراب أنماطاً محدودة ومتكررة من السلوك.
ويبيّن أن غالبية الأمراض الناتجة عن زواج الأقارب ليس لها علاج، لذا يُنصح بتجنب زواج الأقارب أو عمل التحاليل قبل الزواج لمعرفة فرصة إصابة الأطفال بمثل هذه الأمراض، إضافة لضرورة متابعة الأعراض التي تظهر على الأطفال بشكل جيد، مثل تضخم الكبد، أو الطحال، أو التأخر في الكلام والسمع، أو التشنجات العصبية، ومشاكل العظام، أو المفاصل، وهي كلها علامات تدل على وجود أمراض وراثية قد تسبب مشاكل متعددة.
وينصح الطبيب بتكثيف حملات التوعية بأخطار زواج الأقارب، بهدف التخفيف منه أو منعه، بسبب مخاطره على الجيل الجديد.
ينتشر زواج الأقارب بكثرة في إدلب وريفها رغم التحذيرات الطبية، وما يسببه هذا الزواج من ارتفاع في نسب المواليد المشوهة أو المُصابة بأمراض وراثية لا علاج منها.