من يقف وراء تأجيج الموقف شرقي الفرات؟
محمد عيسى
فماذا فعلت القوى المتربصة وصناع الفتن في دير الزور؟ وكيف وظفت قضية اعتقال قائد مجلس دير الزور العسكري “أحمد الخبيل” الملقب بـ”أبو خولة” وبعضاً من قادة المجلس للتحقيق معه، لخلق فتنة بين العرب والكُرد، ومحاولة توظيفها لإشاعة جو من التوتر في المنطقة بقصد النيل من صلابة ووحدة التحالف العربي الكردي، الذي تشكل في معمعان الصراع مع “داعش” وداعميه في عواصم الإسلام السياسي ومراكز التفكير القومي الضيق.فالمجلس العسكري في دير الزور هو بالأصل جزءٌ من قوات سوريا الديمقراطية ومكون من قوات محلية من أبناء المنطقة،وتسلم مهام الأمن في مناطق الضفة الشرقية للنهر في دير الزور بعد هزيمة “داعش”. لكن ورغم هزيمة “داعش”، إلا أن البيئةما زالت داعشية متخلفة، ولا تزال الأمراض العشائرية مسيطرة في جو المنطقة، ما جعل المدعو “أبو خولة” يرتكب، ووفق تقارير وشكاوى عديدة، الكثير من الأخطاء والانتهاكات بحق السكان المحليين، وبعضها جنائية، وبما يخالف شروط الانضباط وطاعة الأوامر التي تمليها العلاقة ضمن الجيوش.
بعد أن تطور الوعي الجمعي في الأوساط الشعبية السورية،إلى حد صارت الأولوية لديه هي للقضايا الاجتماعية وقضايا الديمقراطية والعدالة ودولة القانون، على أرضية ما يعكسه الحراك المستجد الأخير، وبعد اثنتي عشر عاماً من الحرب الأهلية المتقدة اعتماداً على الطائفية والغرائز المذهبية والعرقية كوقود أساسي وفعال لاستمرارها واشتداد أوّارها، وبعد اصطدام فورة “الدواعش” بصخرة الوعي والصمود وبحجم التضحيات لدى قوات سوريا الديمقراطية، والتي أكدت التطورات أنها تحضن مشروعاً نهضوياً وعلى مستوى عالٍ من النضج والوطنية، تعود نفسها قوى التخلف والهمجية التي أشعلت الحرب،إلى نفس الأسلوب من إذكاء الغرائز وتنشيط الفتن بين مكونات الشعب السوري، فتحرك هذه المرة ما تبقى في جعبتها، وما تتوهمه عن خلاف عربي كردي قابل للتوظيف، بقصد النيل من وحدة ووضوح الهدف في حركة الشعب السوري المتجهة نحو الدولة الديمقراطية والمتآخية.
ونظراً لتفاقم حالة التمرد، وتبلور مذكرة إحضار بحقه ذات طبيعة جنائية من قبل النائب العام، كان لا بد لقيادة (قسد) ذات الخصال والأولويات الانضباطية المعروفة،أن تقوم باعتقاله ضمن الأصول العسكرية المعروفة ضمن الجيوش، وكل ذلك كان قد جرى تفنيده في بيان عزله عن مهامه والذي أصدرته قيادة قوات سوريا الديمقراطية، والذي ركز بالإضافة إلى مخالفاته الانضباطية توثيق ضلوعه بالتخابر مع جهات معادية للثورة، بالإضافة إلى تواصله مع “داعش” ما يعد فعلاً من أفعال “الخيانة”، وبالتالي تستوجب الملاحقة.
لكن ما الذي جرى في سياق تنامي ظاهرة “أحمد الخبيل” وبعدها، وحيث تشير التطورات إلى أن مسلحين قد نجحوا بالتسلل إلى الضفة الشرقية من النهر، وشنوا مع مجموعات من مسلحي بعض العشائر هجوماً على مقرات قوات سوريا الديمقراطية في بعض البلدات والقرى، مثل “العزبة” و”جديدة العكيدات” و”الشحيل”، وبتحريض ودعم من شيوخ بعض العشائر المحسوبين بولائهم للإسلام السياسي بوجهيه الإيراني والتركي، حيث دارت اشتباكات سقط بنتيجتها عدد من القتلى والجرحى بين الطرفين، قدر عددهم المرصد السوري لحقوق الإنسان بـ/25/ قتيلاً جلهم قد سقط في صفوف العشائر، لأنهم في مواجهة قوات سوريا الديمقراطية التي تمتلك جاهزية وكفاءة عالية ترتقي إلى مصاف الجيوش النظامية، ما أدى بالنتيجة إلى فشل الهجوم وتسليم الكثيرين منهم لأسلحته وإنهاء تمرده، وعودة مجلس دير الزور العسكري إلى مهامه المعتادة، كقوة مواجهة مع الخطر الأساسي والمتمثل بخطر تنظيم “داعش” الإرهابي.
وإذا كان ما تقدم يقترب من محاولة لرصد ما حصل في زوبعة دير الزور؛ فإن العبرة في كل ذلك تثبت حقيقة لا لُبسَ فيها؛ جوهرها أن أعداء الشعب السوري وصنّاع أزمته والضالعين بمعاناته، ممثلين بفلول قوى الإسلام السياسي، بشقيه التركي والإيراني، لم ييأسوا بعد، وما الحشد والتعبئة الإعلامية والنفسية التي رافقت العملية، وبخاصة التجييش الذي عمل عليه بعض شيوخ العشائر أمثال “نواف راغب البشير” في حملته المسعورة لافتعال صِدامٍ بين العرب والكرد، ما هو غير طلقة يائسة جرى التحضير لها في دوائر الاستخبارات التركية، حيث عقدة قنديل تستحكم بالتفكير الأردوغاني الإسلاموي المريض.
وإلى ذلك؛ فثمة نتيجة واحدة وحقيقة ثابتة أظهرتها حماقة إشعال الفتنة في دير الزور، وقبلها في مواجهات عدة، مفادها أن القوى الإسلاموية والقومية المأزومة في سوريا والمنطقة، تلك القوى المهزومة بنظر شعوبها والعاجزة عن إنجاز أي مسألة تخدم فيها شعوبها، هذه القوى تعاني من فوبيا جديدة، هي قوات سوريا الديمقراطية ومشروع مجلسها السياسي، الذي يتجاوز في نجاحات برامجه وخططه على أرض الواقع حالة الفشل والإحباط التي صارت من لوازم وأمراض الدولة القومية العقائدية، التي تظهر علامات احتضارها كل يوم للعيان.