هل كان مسلسل ابتسم أيها الجنرال على قدر التوقعات؟

كاتيا الحسامي

قبل شهر رمضان طالعَنا الفنان مكسيم خليل عبر حساباته على وسائل التواصل بشخصية الجنرال فرات الذي سيقدمها في مسلسل “ابتسم أيها الجنرال” عن نص كتبه السيناريست سامر رضوان ويخرجه عروة محمد، وقد كان الجمهور ينتظر هذا العمل على اعتبار أنه قد يقدم وجبة سياسية ودرامية فنية دسمة للناس خصوصاً أن العمل قدم نفسه على أنه يحكي قصة مشابهة لقصة عائلة الرئيس الأسد، لكن العمل لم ينل هذا الصيت وحاز على عدة انتقادات لعدة أسباب ما جعلته يقع في الفخ، فما هي هذه الأسباب يا ترى؟

الأدلجة:

من النادر أن يوجّه العمل فكرته حتى لو كانت سياسية جريئة ويصدرها على أنها قصة حياة “فلان”، فغالباً ما يتم إسقاط القصة على الواقع، لكن مسلسل ابتسم أيها الجنرال ومنذ الإعلان عنه قدم نفسه على أنه مسلسل “معارض” للسلطة في سوريا، وأنه يُسقِط القصة على الرئيس الأسد وعائلته، لم يحاول العمل أن يوارب أو يقدم طرحاً ذكياً دون أدلجة لتمرير سياسة أو فكرة معينة قد لا يتقبلها الطرف الآخر، فجاء عرض العمل على قناتَين معارضتين وهما تلفزيون سوريا المعارض وقناة العربي 2 القطرية، بالإضافة لوجود فنانين معارضين لحكومة دمشق منذ بدء الأزمة السورية ما جعل العمل يتضح بشكل كامل أنه موجه لشريحة معينة ومؤدلج بغية إيصال رسالة سياسية “وهذا ما لا يتقاطع مع الفن بالعموم” فالفن قد يُسقِط قصةً ما على الواقع لا يقدمها على أنها قصة شخص ما ومن ثم يتهرب بعبارة يبدأ بها العمل “الأحداث والشخصيات هي من محض الخيال”.

لذا فإن الفخ الأول الذي وقع فيه المسلسل هو أدلجة والتفكير الأحادي فخسر حتى قبل العرض نصف الجمهور

التوقيت:

نشطت الأعمال ذات الإسقاطات السياسية في عز فترة الحرب السورية ولكنها تحدثت عن رؤية طرفي النزاع للحرب ومسّت كافة الشرائح دون توجه مثل “الندم، غداً نلتقي، قلم حمرة” وغيرها، فكانت أعمالاً تَحترم المشاهد ووجهات النظر كافة دون التوجه لعقلية واحدة محددة وطرحت إشكاليات سياسية مختلفة في وقت كان فيه الصراع متأججاً، لكن توقيت عرض العمل في 2023 لم يساعد المسلسل على النجاح خصوصاً أن البوصلة السياسية في سوريا بدأت تتغير لصالح حكومة دمشق عربياً ما جعل توقيت عرض العمل وكأنه منتهي الصلاحية، فكان من الممكن طرح المسلسل في الوقت الذي كان يشتد فيه الصراع ويتأزم لا حالياً حيث بدأت النتائج تتضح وتتبلور

الإخراج والتمثيل والسيناريو: 

رغم أن الكاتب سامر رضوان هو من أهم الكتّاب السوريين ومازالت أعماله أثيرة في ذاكرة الناس مثل دقيقة صمت، الولادة من الخاصرة، و لعنة الطين، إلا أنه لكل جواد كَبوة، و كَبوة رضوان كانت في هذا المسلسل الذي بُني بأساس وقصة جيدة لكن الشخصيات لم تكن مبنية بطريقة ملائمة أو جذابة.

عدا عن ذلك فإن التمثيل كان غاية في السوء لا سيما لدى الشخصيات الثانوية، فبَدَوا وكأنهم لا يفقهون شيئاً في التمثيل، أما الأبطال فكان أغلبهم يؤدون أدوارهم بطريقة مبالغ بها، لا مُخرجَ يضبطهم بشكل جيد أو ينتقي الأفضل، أما نجوم العمل فظهروا وكأنهم يمثلون لأول مرة مع أنهم قاموا سابقاً بأداء أهم الأدوار إلا أن مكسيم خليل كان محدوداً جداً في أدواته و “ريآكشنات” وجهه رغم أنه هو الجنرال، كذلك سوسن أرشيد بدت بأداء عادي لا إبهار فيه، ربما كان الأفضل من حيث الأداء دارينا الجندي، ريم علي، و نبال الجزائري، مرح جبر، إلا أن باقي الأدوار للفنانين كانت باهتة وبأداء بسيط لا عفوية فيه ويعود ذلك طبعا لمخرِج لم يستطع أن يتحكم بالعمل بسلاسة في تجربته الأولى عدا عن مشكلة الإضاءة الخافتة التي لم تخدم العمل بل ضرّته

الشطط في القصة والبروباغندا الإعلامية: 

رغم جرأة الطرح وعدم وجود رقابة على النص كما تم الترويج إلا أن المسلسل ظهر بأحداث عادية متوقعة، وإن كان فرضاً يحاول محاكاة قصة عائلة الرئيس الأسد فإنه ابتعد عن الحقيقة مع إضافات مبالغ بها لتنفيذ أجندة معينة وواضحة، لكن يحسب للمسلسل أنه الوحيد الذي استطاع أن يكون المسلسل العربي الوحيد الذي جال في قصر رئاسي وما قد يجري من أحداث بداخله.

وقد بالغت أيضاً الماكينات الإعلامية المعارضة في تصوير المسلسل على أنه ملحمي وعظيم وهو ما رفع سقف التوقعات لكن حين مشاهدته خفت الشعور بذلك ورغم تحقيق مشاهدات جيدة للمسلسل إلا أن الأعمال السابقة التي صُورت في كنف الرقابة السورية وفي دمشق كانت أجرأ بفكرتها وأسلوبها أكثر من الجنرال ذات نفسه

حذف العمل:

تفاجأ المتابعون بعد انتهاء شهر رمضان بحذف المسلسل من على قناة اليوتيوب الخاصة به دون أسباب واضحة، في حين قالت الشركة المنتجة والقنوات العارضة والداعمة للمسلسل إن العمل حُذف لأسباب تسويقية لعرضه على منصات أهم في الفترات القادمة، لكن مصادر خاصة قالت أن الموضوع برمته سياسي أكثر من كونه تسويقي، ويعود ذلك إلى اتفاق دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة القادمة إلى عودة العلاقات مع الحكومة السورية وهذا ما تبين مؤخراً بعد فتح العلاقات الدبلوماسية من جديد بين السعودية وسوريا، وموافقة دول مجلس التعاون الخليجي على ذلك ولو ضمنياً ومن بينهم قطر التي تتبع لها شركة ميتافورا المنتِجة للمسلسل وقنوات العربي وتلفزيون سوريا المدعومَين من دولة قطر أيضاً، ما قد يهدد بجعل العمل في مهب الضياع والنسيان. 

الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتابها..