الأزمة السورية وصراع الفيلة
محمد عيسى
تشير كل التطورات الى أن مخاضاً كبيراً لايمكن التكهُّن بحدّته وبما سيتولد عنه أو بأوجاعه المرافقة، قدتكون دخلت فيه المسألة السورية والمسائل والظروف المتعلقة فيها، حيث تتسارع الجهود وتكثر اللقاءات والاجتماعات على أكثر من مستوى دولي وإقليمي، كان أبرزها الاستماتة الروسية لتوفير طبخة مصالحة بين دمشق وحكومة أردوغان بمساعدة إيرانية، كان يؤمل منها أن تفيد أردوغان في معاركه الانتخابية.
تلك المساعدة التي باتت متأخّرة اليوم، ولم تعد تتمتع بالكثير من الضوء والاهتمام، وليستجد بعدها نشاط عربي عالي الهمة وذو وتيرة عالية، بدأ باللقاء التشاوري لدول الخليج العربي في جدّة أواسط نيسان الماضي، والذي بحث في الأزمة السورية، والذي ترافق مع إطلاق المملكة العربية السعودية لمبادرتها حول حل الأزمة السوري، وكان الجانب الأبرز فيها القبول بدعوة قوات عربية تعمل بقيادة السعودية للانتشار على الأراضي السورية، يكون من مهامها تأمين عودة سلسة وآمنة للاجئين السوريين، وذلك ضمن صيغة حل شامل للأزمة وفق مندرجات القرار الدولي 2254، وبمشاركة حقيقية من حكومة دمشق في تطبيق خطوات الحل، ثم التعهد برفع العقوبات، والمساهمة بإعادة الإعمار، والعودة إلى جامعة الدول العربية والمنظمات الدولية الأخرى.
هذه المبادرة التي توافرت في أجوائها جملة من عمليات التنظيف والتحسين في العلاقات بين المملكة ودمشق، والتي أسفرت عن عودة العلاقات القنصلية بين البلدين، وبعد زيارة وزيري الخارجية المتبادلة الفرحان والمقداد إلى كل من دمشق والرياض.
هذه الجهود التي تبعها على نحو هام ومتصل، اللقاء الخماسي الذي عُقد في الأردن يوم الإثنين، في الأول من أيار الحالي، والذي ضم بالإضافة إلى الأردن، وزراء خارجية المملكة العربية السعودية ومصر والعراق، وبحضور وزير خارجية سوريا المقداد، في خطوة جديدة وذات مغزى.
ومن الجدير ذكره أن هذا اللقاء قد مثل جهداً أكثر تطوراً حول المسألة السورية، وبحث،وكما أصبحت العادة في مثل هذه اللقاءات، بأكثر من أزمة عربية، كالوضع الناشئ في السودان أخيراً، وفي فرص عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية واحتمال دعوتها إلى حضور القمة المزمع عقدها في الرياض في التاسع عشر من شهر أيار الحالي، وأن ترك مسألة البت في قرار الدعوة إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب الاستثنائي الذي سيعقد اليوم الأحد، السابع من الشهر الجاري، علاوة على بَلورة خطة أردنية أو ورقة عمل حول الوضع السوري، شرحها الوزير الأردني أيمن الصفدي في خطوطها العامّة.وقبل الغوص في تفاصيلها؛ يجدر تسليط الضوء على الدور الأردني المتنامي بصمت خلف الأضواء، والضالع بإيجاد مخارج للأزمة، ذاك الدور المتميز بعلاقات دافئة مع حكومة دمشق، قد تبلورت بعد اتفاق فتح الحدود بين البلدين، وعبر التنسيق مع الروس والأمريكان لتحقيق ذلك.
وكانت الأردن من أوائل الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع دمشق بعد عام 2018، حيث أولت اهتماماً فائقاً لتطورات الوضع السوري؛ نظراً لتأثيراته الشديدة على استقرارها، والمرتبط بعاملين أساسيين، الأول، وجود ما ينوف على مليون ونصف من اللاجئين السوريين على أراضيها. والعامل الثاني، تزايد النفوذ الإيراني على حدودها الشمالية، ما يشكل بنظرها مظلة لاستمرار المخاطر بتدفق الكبتاغون إلى أراضيها.
لذلك يُقال إن السلطات الأردنية ومنذ إدارة ترامب كانت تجري اتصالات مع الإدارة الأمريكية ومع نظيرتها الروسية للتشاور حول الطرق الأنجع لضبط المنطقة الجنوبية من سوريا، ولوقف تدفق الأسلحة إلى المسلحين الإسلاميين.وتضيف بعض المواقع المطلعة أن تسريبات تقول، ومنذ منتصف العام2021، قد أسفرت اتصالاتهم مع بايدن وبوتين عن الاتفاق على ورقة عمل، تتضمن خطة لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، في سياق خطة لحل شامل للأزمة السورية،وقد شرح خطوطها الأساسية الوزير أيمن الصفدي في مؤتمر صحفي.
حيث أفاد أن الخطة تنطلق من تصور، يصرف النظر عن فكرة تغيير النظام، ويعتمد مبدأ “خطوة مقابل خطوة” وفق جدول زمني متدرج، وعلى حوافز تُقدَّم للنظام في دمشق، مقابل تقدمه خطوة باتجاه الحل الشامل الذي دليله ومحوره تطبيق القرار الدولي 2254، وأن تكون البداية بالمسائل الإنسانية التي تخص الشعب السوري وترفع المعاناة عنه، كمسألة تسهيل إيصال المساعدات إلى جميع المواطنين السوريين، ثم تتبعها القضايا السياسية، عبر قيام النظام بتوفير ضمانات لعودة آمنة للاجئين السوريين، وأيضاً يتم تقديم مساعدات وحوافز مالية إزاء كل خطوة.ثم يجري العمل على رفع متدرّج للعقوبات.
وتقول تسريبات إن مبالغ قد قدمت في هذا الإطار، وضمن حملة الدعم المقدم على خلفية الزلازل.وعلى نفس الوتيرة يجري العمل أيضاً على إعادة النظام إلى جامعة الدول العربية وباقي المنظمات الدولية التي جمدت عضويته بها.وفي مرحلة لاحقة؛ يتم إخراج كل المنظمات المسلحة التي ترتع على الأرض السورية، إلى أن يتم إعلان سوريا آمنة، والدعوة إلى خروج كل القوات الأجنبية المتدخلة بالوضع السوري.
ومما قد يكون له صلة بفهم هذه المعطيات، وبوعي لعوامل الظرف الموضوعي الذي بدأ يُظهر نضجاً واضحاً؛ يمكن للمراقب أن ينظر إلى مبادرة الإدارة الذاتية في مجلس سوريا الديمقراطية، وخاصة انخراطها في تهيئة الشروط الذاتية على المستوى المحلي والوطني لهكذا تطور محتمل، خاصة من خلال فتح أراضيها لاستقبال اللاجئين.ومما يعزز ذلك الانطباع هو التنويه الذي أفاد به رئيس مكتب العلاقات الخارجية “بدران جيا كرد”أن الإدارة الذاتية مستعدة لتحمل مسؤولياتها الوطنية لتسهيل خطوات الحل، وتسهيل حوار السوريين والمساهمة الفاعلة فيه.
وإذا كان ما تقدم يعكس رسماً أو يقدم رؤية لحل قد يكون ممكناًأن يشهد انطلاقته في أي لحظة؛ فإنه على المقلب الآخر لابد أن تكون زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق قد نقلت الضوء إلى صفحة أخرى مختلفة.هذه الزيارة التي دارت حول اهتمامين، الأول، اقتصادي، تمثل بالتوقيع على مشاريع استثمار عديدة في مجالات عدة بينها إنتاج الكهرباء وتوزيعها، ومشاريع الاستثمار بإنتاج بالفوسفات ونقله، ثم الحديث من قبله عن الاستعداد لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، في تنطح لم يُقنع الشعب السوري الغارق في معاناته، تلك المشاريع لم يقتنع أحد بجدواها حتى الآن، بل تدور في غالبها ضمن خطط تحصيل المكاسب والسيطرة على المرافق التي هي من حق السوريين.والاهتمام الثاني، تجلى بمهام تعبوية الطابع، لم يشرك السلطات السورية فيها، واستغرقت، بحسب متابعات إعلامية، يوماً كاملاً من أيام الزيارة، اجتمع فيها مع قوى محسوبة عليه وألقى فيها خطابات وتوجيهات تتفق مع فكرة المقاومة والمواجهة وغير ذلك، وربما تكون الزيارة قد خطفت الاهتمام هي وغيرها نحو نفق آخر في جدار الأزمة يوصلها إلى أتون جهنم الحرب والمواجهة، بعكس الطريق الذي تنشده حاجات الشعب السوري ويتطلبه الأمن والاستقرار.
هذا الانطباع ليس رئيسي وحده من يرجح أن تكون الأحداث قد أخذت طريقها إليه، بل يتفق هذا التصور مع معطيات أو استعدادات تقوم أمريكا وإسرائيل وربما تركيا من خلالها للتحضير لمواجهة عسكرية وتصفية حسابات قد تحصل على الساحة السورية وفي المنطقة، بحسب تقارير وتسريبات إعلامية، لا مصلحة للدولة أو الشعب السوري فيها.
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتابها..