دمشق.. الثقة تضلل طريق التبرعات
لم تكن قلّة الحيلة ما منعت “وفاء القطيفاني/ اسم مستعار” من التبرّع لأهل بلدها المنكوبين في سوريا، كما لم تكن الأنانية وقلّة التعاطف؛ بل كانت قلّة “الثقة”. وأوضحت “القطيفاني” لـ”مجهر” بأنها تفضّل أن تنزل بنفسها إلى أي منطقةٍ ضربها الزلزال وتعطيهم كل ما تملك، على أن تقدّم قطعة ثيابٍ واحدة لجمعيةٍ أو منظمةٍ، سواء أكانت هذه الجهة حكوميةٌ أم غيرها.
“وفاء” امرأة أربعينيةٌ وأمٌ لثلاثة أطفال وتعيش في ضواحي دمشق، قالت بلهجتها المحلية: “عم حط ولادي مطرح ولاد العالم، لو فيني أطلع أعطيهم شي بعطيهم قلبي، بس ما بعطي شي لهدول الحرامية، لأنو ما رح يوصل شي للأولاد والناس المحتاجة، وإذا وصل شي رح يكون نصّو مسروق، إلنا سنين بهالبلد ومنعرف كيف الأمور بتمشي، وأنا ما بوثق فيهن لأتبرعلهم”.
أما “سليم الست/ اسم مستعار أيضاً”، فلديه رأي مختلف، إذ إنه يمتنع عن التبرّع لصالح الجهات الحكومية أو غير الحكومية، لكنه يملك موافقةً على العمل الميداني، وبدلاً عن ذلك وجد مجموعةً موثوقةً من الفرق التي تعمل بشكل فرديٍ، ودون أي دعم، قرر التبرّع لصالحهم.
وبرَّرَ ذلك بقوله: “أنا أتبرَّعُ لأشخاصٍ موثوقين، هؤلاء الأشخاص أعرفهم قبل الكارثة وأثق بهم، وهم يوصلون المعونات بيدهم، ويوثّقونها لنا، كما أنهم يحصلون على تبرّعاتٍ قليلة لا تسمح لهم إلا بمعالجة الحالات الفردية، وهذا يُسهّل علينا عملية التحقق من أنهم يوزّعونها”.
وعن آلية عمل الحالات الفردية وتعاونها مع بعضها البعض، يقول “سليم”، وهو أحد الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي في دمشق والذي حمل على عاتقه مهمة استقبال التبرعات في دمشق وتسليمها للجهات “الموثوقة”، على حدّ تعبيره، “نُخصّص مسؤولين ضمن معظم المجموعات الصغيرة، مهمتهم تقصّي الحالات الفردية المحتاجة، سواءً المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي أو التي تصل للفرق بشكلٍ آخر، والتحقّق من مصداقيتها، ثم تحويلها لمن تخصصوا بتأمين الاحتياجات لتأمين مستلزمات كل حالةٍ على حدا، وبعد ذلك يُعاد التأكد من أن جميع متطلبات الحالة وصلت إليهم قبل تعميم إزالتها عن قائمة المحتاجين. ولأن الفرق الفردية تهتم فقط بالمساعدة؛ فإنها تتبادل معلوماتها بسهولةٍ مع الجهات الأخرى؛ حتى لا يتم التواصل مع ذات الحالة مرتين”.
ويشدد “سليم” على القول: “نثق بالأفراد لأن نواياهم واضحة، ولأنهم لا يخفون عنا أي شيء، حتى أن بعضهم ينشر تقريراً يومياً يتحدث عبرها عن عدد الحالات أو مراكز الإيواء التي تم تغطيتها وكيف تمت التغطية ولأي عدد من الأيام، بينما ستعتبر الجهات الكبيرة سؤالنا إهانة”.
بينما “سارة”، (لم تفصح عن اسمها الأخير)، والتي تتواجد حالياً في أحد مراكز التبرع منذ اليوم الأول، فتقول: “بالتأكيد السرقة موجودة، ولو وصلت المعونات للمستحقين؛ لكان سيتم تغطية احتياجاتهم جميعاً وخلال فترة قصيرة، وحتى لو وصلت نصف المعونات أو ربعها فإن بإمكانها أن تحل الأزمة، وأنا أتبرع على أمل أن تصل قطرةً من البحر وتغيثهم”.
منذ أوّل لحظات الكارثة، انتشرت الفرق التطوعية الإغاثية إلى جانب المنظمات الحكومية وغير الحكومية، وما إن بدأت التبرّعات تزداد؛ حتى بدأ الشارع السوري يتخوّف من عدم وصولها إلى مستحقيها، وفي هذا الصدد تقول “أم محمد شتَي” من حي “جرمانا” بدمشق: “الله وكيلك يا خالتي شلت من مونة بيتي وأواعي ولادي وعطيتهم، كلهم قالولي رح يسرقوهم متل ما سرقوا معونات الـ/UN/ بس نحنا منعمل لوجه الله وهني وضميرهم بيتحاسبوا”.
وقال أحد القائمين على عملية الفرز في “جرمانا”، والذي تحدّث شريطة عدم ذكر اسمه أو اسم المركز: “بلدية جرمانا وضعت كل المراكز العاملة بهذا الموضوع تحت أيدي البلدية، وكلنا نعرف ماذا يعني، نحن أيضاً لا نثق بآلية تقديم المساعدات، وأُجبرنا على إرسال جزء من التبرعات إلى البلدية، لتقوم هي بإيصاله للمستحقين – على ذمتها – وطبعاً نحن لا نتهمها بالسرقة، ولكننا لا نملك ما يثبت لنا العكس.. لهذا نعمل شخصياً على توزيع الجزء الأكبر من التبرعات بأيدينا لأهلنا في المناطق المتضررة”.
بينما عبّرت الجهات الفردية عن انزعاجها من طرق التعامل معهم، مثل “يارا إبراهيم/ اسم مستعار” تحدثت بنبرة غاضبةٍ عن صعوبة الحصول على موافقةٍ أمنيةٍ لإيصال المساعدات للأهالي.
وأضافت: “حتى في هذا الموضوع هناك (واسطة)، والأسوأ أنه منذ يومين كنت أنا وصديقاتي بدمشق ومعنا تبرعات، لنقوم بإيصالها لحالة متضررة بدمشق، كنا ننتظر السيارة لإيصالنا، جاء الأمن، أخذوا هوياتنا ووجهوا لنا إساءات بحجة ممنوع التحرك بدون موافقة أمنية”.
وتابعت بقولها “قبل أن يذهبوا جعلونا نمسح كل المنشورات على الفيسبوك عن موضوع المساعدات والزلزال، لا زلنا نعمل على جمع التبرعات، ولكن بصمت ولا ندري ماذا نفعل”.
وبين الثقةَ وعدمها، ووصول التبرعات كاملةً أو منقوصةً، ينتظر آلاف الأشخاص في مناطق الزلزال تأمين أدنى احتياجاتهم.
إعداد التقرير: أورنينا سعيد