الحوالات الخارجية.. “ترياق حياة” بالنسبة لغالبية سكان حلب
مبلغ المائة دولار الذي يصل لـ”كريم خواتمي/ 57 عاماً”، شهرياً من شقيقه المقيم في المانيا، بات بالنسبة له ولعائلته أشبه بترياق حياة ينزع عنهم ثوب الفقر والعَوَز الذي يرتديه الكثير من أهالي حلب.
الموظف المتقاعد وَرَبُّ الأسرة المكوَّنة من /6/ أفراد أغلبهم لازالوا في المرحلة الجامعيّة والثّانويّة، لم يعد أمامهم من خيار سوى اللّجوء لشقيقه الذي غادر مدينته حلب مع بداية الأزمة في سوريا قاصداً أوروبا.
فالرّاتب التَّقاعديّ الحكوميُّ بات لا يكفي أجور مواصلات أبنائه الجامعيّين، كما يقول الرَّجُل الخمسينيّ لمنصَّة “مجهر”.
يضيف “كريم”: “بعد خدمة /40/ سنة قضيتها موظَّفاً في مؤسَّسة البريد بحلب؛ أتقاضى مرتَّباً قدره /130/ ألف ليرة سوريّة، أي أقلّ من /20/ دولار أمريكي، هذا المبلغ لا يمكن له أن يَسُدَّ رمق العائلة ولا يستطيع تأمين حاجاتنا أكثر من ثلاثة أيّام”.
ويستمر بالقول “فهل يُعقل أن يصل طبق البيض إلى /22/ ألف ليرة سورية وكيلو اللّحم لـ/40/ ألف ليرة سورية، أي نصف المعاش التَّقاعديّ، ولولا المساعدة الشَّهريّة لي بمبلغ المئة دولار؛ لكانت حالتي بمنتهى السوء، فلديَّ شاب وفتاة من أبنائي يدرسون بالجامعة، إضافة إلى أربعة آخرين بالمرحلة الثّانويّة والإعداديّة، فهل يُعقل أن يكفي ما أحصل عليه من الحكومة لمصاريف الدِّراسة ومصاريف المنزل”.
ويوضّح الرجل الخمسيني أنَّه يعاني في سبيل استلام هذا المبلغ “المئة دولار” من مكتب التَّحويل؛ نظراً لخطورة استلام الحوالات الخارجيّة في حلب، ويصف تلك الحوالة بأنَّها “السَّبيل الوحيد لإنقاذي وأبنائي من الموت جوعاً”.
أمّا “ياسين كَرَمان/ 47 عاماً”، من أهالي حي “الأعظمية” بحلب، ينتظر على أَحَرِّ من الجمر موعد إرسال حوالته من قبل ابنه الشابّ اليافع المقيم في تركيّا والذي يعمل بمجال الخياطة.
“ياسين” الذي يحمد الله أن ولده لايزال يمدّه ببضع ليرات تُعينهُ على تحدّي الظروف المعيشية التي تزداد صعوبةً وتعقيداً في حلب، على حَدِّ وصفه.
يضيف “ياسين” لمنصَّة “مجهر”: “يصلني تقريباً مبلغ /400/ ألف ليرة سوريّة شهريّاً، استلمها من خلال أشخاص لهم أقارب في تركيا، وهذا المبلغ لا يساوي شئياً في ظل الظروف الحالية والارتفاع الجنوني للأسعار، ولكن كما يقول المثل “بحصة بتُسنُد جرّة” ، فالـ/400/ ألف ليرة سوريّة التي أتلقّاها كتحويل، إضافة لعملي في معمل نسيج بحيّ “الكلاسة” وأتقاضى منه مبلغ /250/ ألف ليرة سوريّة، بالكّاد تؤمّن الحاجيات الأساسية لعائلتي، خاصة وأن لديَّ طفل صغير يحتاج شهرياً لمبلغ /200/ ألف ليرة سوريّة، على الأقلّ، ثمناً للحليب وغيرها من المستلزمات”.
ويضيف: “لولا هذه الحوالة؛ لحُرِمتُ أنا وأطفالي حتى من أكل الخبز الذي بات غذاءنا الرَّئيسي، وباقي الأغذية من لحوم وغيرها لا نراها إلا بالمحال أو على شاشات التلفاز والهواتف”.
فيما “محمد الحموي/ 33 عاماً”، وهو حاصل على ماجستير بالاقتصاد من جامعة حلب، ويعمل في شركة “الهرم” للحوالات، يقول لمنصّة “مجهر”: “أكثر من 80% من أهالي حلب وريفها يعتاشون على الحوالات المالية التي يرسلها إليهم أقاربهم وذووهم في الخارج، وهذه الحوالات تأتي من أوروبا بمختلف بلدانها، ومن تركيا وأربيل، إضافة لمصر ودول الخليج، أي أماكن تواجد السوريين”.
ويضيف: “طبعاً التحويل المالي يخضع لرقابة صارمة من قبل الحكومة، خاصة للعملات الصعبة كالدولار، الذي تريد الحكومة أن يُصرف بسعر البنك المركزي /3700/ ليرة سورية للدولار الأمريكي الواحد، بينما سعر صرفه في السوق السوداء يصل لأكثر من /7000/ ليرة سورية، لذلك معظم التحويلات تتم بشكل خفي وعبر مكاتب غير مرخَّصة”.
وقال “الحموي” في حديثه: “التحويل المالي يعود بفائدة كبيرة على الحكومة لو حَرَّرت سعر الصرف، وأتاحت للمكاتب استلام هذه التحويلات برقابة منها”. ويسترسل في الشّرح “عموماً يمكن القول إن ما يُحرّك عجلة الاقتصاد المهترئة في حلب هي الأموال المُحوَّلة من الخارج، ومن دونها سيكون الوضع المعيشي كارثياً للغاية، خاصة في ظل تدني كبير لقيمة العملة المحلية، والارتفاع المتزايد لأسعار السلع الأساسية، وسط عجز حكوميٍّ عن ضبط التضخّم”.
إعداد التقرير: سامر عقّاد