ما دلالات رسالة عزاء (قسد) لذوي ضحايا الجيش السوري
محمد عيسى
فصل جديد وحلقة جديدة من فصول عدوان تركي متواصل على الأراضي السورية، يطال سيادة الدولة ويهدد سلامة الشعب. عدوان أطلقته آلة الحرب التركية بأوامر مباشرة من السلطان العثماني الجديد رجب طيب أردوغان، بدأ عبر قيام الطيران التركي ومسيراته بدون طيار بشن غارات غير مسبوقة على المدن والبلدات والمنشآت المدنية، كالمشافي التي هي قيد الإنجاز، ومنازل السكان المدنيين، إضافة إلى استهداف مواقع للجيش العربي السوري، وأخرى لقوات سوريا الديمقراطية، ما أدى إلى سقوط ضحايا مدنيين ووقوع شهداء في صفوف الجيش العربي السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد).
ولأن كان هذا العدوان والاعتداءات التي سبقته قد جرت في ظل صمت دولي مريب، أو في سياق تفاهمات دولية أو صفقات وأضواء خضراء كانت ترقى في كثير من الأحيان إلى حد “التواطؤ”. ولا شك بأن موقع تركيا الجغرافي على حدود الأحلاف الكبرى، أو انضمامها إلى تلك الأحلاف، كان له دوراً في حصول تلك الفرص أو التفاهمات. ومع ذلك؛ فإن التواطؤ الأخطر والأشد وقعا، فقد جاء دوماً من الداخل السوري ومن فصائل المعارضة الإسلامية السورية المتماهية بالبنية مع طبيعة وإيديولوجية الدولة التركية، القائمة على فكرة إحياء الخلافة العثمانية باستخدام وسائل تهييج وإيقاظ المشاعر الدينية الساذجة، ومن خلال استدعاء عواطف تمجد عصر الفتوحات الإسلامية، والانطباع الراكد حولها الذي كانت تسعى إلى خلقه قوى التدخل الخارجي على الدوام، وبدلا عن أن يكون هذا الماضي وهذا التاريخ مهماز الحركة لشعوب المنطقة وحافزاً لتطورها، صار مقتلة ومصيدة، وصارت الطريق إلى محاكاته تعني مزيداً من “داعش” و”النصرة” وباقي المسمّيات.
ومما بات واضحاً؛ هو أن فئات متطرفة من النسيج الاجتماعي السوري ومنفكة عن هذا النسيج ضائعة وشريكة بالتآمر مع العدو التركي، في تخريب المجتمع وكسر وحدته، عبر تكريس منطق التطييف والتكفير والعنف في التعامل أو النظر إلى النسيج الاجتماعي ككل. فإسلاميّو المجتمع السوري وقوى الإسلام السياسي، بعامة، أطراف وشركاء مباشرين في أعمال الحرب والقتال ضد الدولة والمجتمع السوري. هذه الحرب والعدوان الذي سقط بنتيجته شهداء مدنيون وعسكريون سوريون من صفوف الجيش العربي السوري ومن مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية المرابطين جنبا إلى جنب على الحدود الدولية مع الدولة التركية، وأيّاً تكن المسافة وطريقة النظر في مقاربة الأزمة السورية، بين نظرة سلطات النظام في دمشق، وما بين المهام التي تنهض بها قوات سوريا الديمقراطية ومجلسها السياسي (مسد)؛ فإن اختلاط الدماء بين الفريقين من أجل الدفاع عن حُرمة الأرض والأجواء يحمل معانٍ كثيرة.
وإن رسالة التعزية التي أرسلتها قيادة قوات سوريا الديمقراطية إلى ذوي شهداء الجيش العربي السوري الذين قضوا بهذا العدوان الغادر؛ تُعَدُّ خطوة بالغة الأهمية، لجهة تحديد طبيعة المواجهة الحاصلة واتجاهات تطورها. وتؤكد حقيقة قاطعة هي أن الشعب السوري في الموقف من العدوان وفي تصنيفات الصراع الدائر، هو فريقان لا ثالث لهما، فريق يعمل من أجل حماية الوطن واستقلاله وسيادته على كامل أراضيه، ومن أجل وحدة الشعب وكرامته، وفريق منغمس في التآمر والعدوان على مصالح الشعب والوطن.
نعم إن رسالة التعزية تعد علامة بارزة، وقد تؤسِّسُ لمنعطف في طبيعة التحالفات والاصطفافات القادمة على المسرح السوري الداخلي، وربما إلى أبعد من ذلك. فقيادة قوات سوريا الديمقراطية حينما أفسحت المجال لقوات الجيش العربي السوري في أن تتمركز إلى جنبها على الحدود الدولية، وبخلاف ما تفعله القوى الإرهابية في منظمات الإسلام السياسي، فهي تقدم اعترافاً صريحا بدور الجيش وبمسؤولياته عن حماية التراب الوطني، وفي الوقت نفسه تقدم نفسها، أو ترشّح نفسها، لأن تكون أحد الفصائل الرئيسية في الجيش الوطني السوري القادم الذي يمكن أن يتفق السوريون على قوامه ومهامه.
وليس هذا فحسب؛ بل قد تؤسس الرسالة فيما ترمز، إلى خارطة طريق جديدة في التعامل مع الواقع وفي تفسير الصراع ودور كل طرف في الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد خلال أكثر من عقد من الزمن، وتقطع مع الكثير من المفاهيم والشعارات التي درجت العديد من القوى على ترديدها تحت مسمى الثورة على النظام. فليس كل من ثار على النظام يحمل روح الثورة وقيم الثورة بالمعاني الوطنية والديمقراطية، بل الكثير منها أشد خطراً على قيم الثورة ومصالح الشعب والوطن.
وحول النقطة ذاتها؛ من المفيد التذكير بالمقاربة الجريئة التي صارت تجاهر بها قيادات بارزة في (مسد)، والتي تتفق مع آراء الكثيرين في مواقع النظام والموالين له، حيث يذهب العضو البارز الأستاذ سيهانوك ديبو في أحد مقالاته الأخيرة، إلى القول “نحن لسنا مع إعادة إنتاج النظام القومي الشمولي المركزي، ولسنا مع قوى الثورة كيفما اتفق”.
ومن عِبَرِ التاريخ في هذا الإطار، والتي على السوريين الغيارى أن يتّعظوا بها، أنه قبل أكثر من قرن من الزمن، كان يردد مهندس ثورة البلاشفة وقائدها فلاديمير لينين “في كل أمة أمتان، وفي كل وطن ثقافتان، أمة البرجوازية وثقافة الاستغلال، وأمة البروليتاريا وثقافة الثورة من أجل مجتمع الكفاية والعدل”. وبالانطلاق من نفس القاعدة بالتفكير على القوى الساعية إلى التعبير الديمقراطي السلمي، وفي إطار الوطن الواحد، ومن جميع المواقع والمكونات، أن تتجرّأ على نفسها أولاً، وأن تعدّل في بوصلة تفكيرها، فليس كل من يرفع شعارات النظام ويدعي موالاته ويمارس الفساد، أو يستغل موقعه لمصالح أو مآرب، أو يستحوذ على فرصة جاره، أو يتجاوزه في طابور الانتظار على كُوَّةِ مؤسَّسة أو فرن، هو مع النظام والدولة أو الوحدة الوطنية والنسيج الوطني الصُلب المتماسك، وليس كل من ثار على النظام وحمل السلاح في مواجهة هيبة الدولة.
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتابها..