هل ستتحول سوريا إلى وقود للحرب الروسية _ الأوكرانية؟
محمد عيسى
الحرب في أوكرانيا كانت – ولا تزال – ومنذ أواخر فبراير/ شباط الماضي الحدث الأبرز الذي يشغل اهتمام العالم ويتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار. وتعد الحرب الروسية في أوكرانيا؛ الأخطر التي تشنها روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينات القرن الماضي، بقصد استعادة النفوذ على الدول التي استقلّت بعد انهياره.
تشكل هذه الحرب منعطفاً؛ من أخطر المنعطفات التي واجهها العالم منذ أزمة الصواريخ الكوبية في أزمة خليج الخنازير وإلى اليوم، وكذلك تعتبر البؤرة الأهم في حرب عالمية، يقول مؤيّدوها إن من شأنها هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية، أو إنزالها من موقعها كقطب أوحد في قيادة العالم. وعليه؛ فإن من أهدافها تغيير النظام الاقتصادي العالمي الذي سيعني من بين ما يعنيه؛ التخلي عن الدولار كعملة قياسية عالمية.
وفي تفاصيل الحرب وتطوراتها الكثير من المشاهدات والوقائع التي تؤكد أنها دخلت وأدخلت معها الاستقرار العالمي في أطوار غاية في الخطورة، وصار الحديث معها عن الاستخدام المفرط للقوة، ووضع السلاح النووي ضمن احتمالات المواجهة، كسلاح يحتمل استخدامه أمر وارد وخيار غير بعيد، خاصة بعد أن سجل الهجوم الروسي الكثير من النكسات الحادة.
إن الحرب التي بدأت، بحسب ما أعلنه الإعلام الروسي، على أنها عملية عسكرية عادية وستنجز مهمتها خلال بضعة أيام، وبعدها ستكون أوكرانيا قد انضمت إلى صف شقيقتها شبه جزيرة القرم؛ أخذت تتعثَّر مع مرور الوقت وتأخذ مجرى آخر، والجيش الروسي المندفع نحو العاصمة كييف؛ بدأ بالتراجع نحو الأقاليم الحدودية، وذلك في سياق ما زعم أنها “خطة قتالية جديدة”، وسيعود الهجوم بعدها إلى زخمه الأول.
لكن الذي فاجأ الجميع؛ هو بروز مقاومة لافتة من قبل الأوكرانيين، والتي لم تكن في الحسبان، مقابل تراجع الهجوم الروسي وفقدانه لزخمه الاول، مع تنامي خسائره في العتاد والأفراد، وليسجل في تعداد خسائره عدداً لم يسجّل مثله الاتحاد السوفيتي طيلة فترة التسع سنوات من عمر غزوه لأفغانستان، والتي تقول الإحصائيات إنها لم تتجاوز رقم الستة عشر ألف قتيل، لكنها، ومع ذلك، كانت مدخلاً لهزيمته اللاحقة، ومن ثم الخروج من خريطة العالم، بينما يصل اليوم عدد خسائره البشرية إلى عشرات الآلاف من القتلى وإلى أكلافٍ عالية في العتاد.
فبينما لم يخسر جرّاء تدخله في سوريا غير طائرة واحدة وبضعة جنود؛ نجد طائراته تسقط في أوكرانيا بالعشرات وكذا دباباته وقطع مدفعيته، وكيف تصاب مراكز القيادة والتحكم وتدمّر أهم البوارج في أسطوله ومخازن الأسلحة والصواريخ لديه، إلى حد تذهب فيه تقارير غربية إلى القول إن ثلث الجيش الروسي المشارك بالهجوم قد دُمِّرَ حتى الآن، وأن حرب المعلومات قد خسرتها روسيا بشكل واضح، وقد تجلى ذلك بعد العملية التي استهدفت مستشار بوتين المهمّ جداً “إكسندر دوغين”، والتي قضت فيها ابنته.
ولئن كان هذآ هو التقدير العياني الذي تسجله تقارير الإعلام الحربي عن مجريات الحرب وتصاعد وتائرها؛ إلا أن ذلك لا يخفي، وبصرف النظر عن شرعية هده الحرب من عدمها، أنها وقائع تحصل بفعل الدعم الذي تقدمه دول التحالف الغربي في الحلف الأطلسي لأوكرانيا، والذي تستنفر فيه الولايات المتحدة طاقاتها بقصد إجهاض الهجوم الروسي وكسر شوكته، على خلفية التصعيد الروسي الذي لاقى نجاحاً في الضغط على دول الاتحاد الأوروبي باستخدام سلاح النفط والغاز، وإلزام الدول المستوردة للدفع بالروبل بدلاً من الدولار ثمناً لمستورداتها.
التصعيد الذي استمر بالتأثير على أسواق الغذاء العالمية؛ جراء النقص الذي أصاب واردات القمح بعد الحرب وتأثيره، على ما يقال عن نشوء “أزمة غذاء عالمية”، وفي إطار الوقائع ورصد التطورات أيضاً، لا يجوز أن يخفى على المهتمين أن الروس لم يحصلوا في أول تصويت جرى في مجلس الأمن حول المسالة الأوكرانية إلا على ستة أصوات من بينها أصوات سوريا وكوريا الشمالية، إلا أنهم لم ييأسوا من السعي لتشكيل حلف عالمي تكون فيه الصين وتركيا وإيران ودول أخرى. ويجدر التنويه إلى أن الصين تبدي حذراً حتى الآن، من الانخراط المباشر في هذا الصراع، إلا أن الولايات المتحدة وحلف الدول الغربية قد قرر المضي في مواجهة روسيا، من خلال تقديم كل أشكال الدعم العسكري والسياسي لأوكرانيا، دون الدخول في المواجهات العسكرية مباشرة.
وإلى ذلك؛ ومما يثبت عمق الصراع واحتدامه، مع تغيّر موازين القوى التي تتحكم به، ثمة موقف متبدّل لمهندس سياسات الغرب ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق “هنري كيسنجر”، ومن المفيد التوقف عنده. ففي البداية، وفي الشهر الأول للحرب، كان يطالب الدول الصناعية السبع بتقديم تنازلات جدية لروسيا في الموضوع الأوكراني، الأمر الذي رفضه الرئيس الأوكراني ورفضه قادة الدول السبع، ليقوم بسحب مقترحه لاحقاً ومنذ أقل من شهر، ما يحمل دلالات كبيرة عن وجهة وآفاق هذه الأزمة وعن تطورها نحو كل الاحتمالات.
وعلى ضوء ما تقدم؛ يصبح من البديهي أن تنسحب أو تمتد نيران هذا الصراع إلى أماكن أخرى وإلى مناطق اشتباك أخرى، وتأتي الساحة السورية كأول مرشح لتلقي الارتدادات في هذه الحرب، ولأسباب عديدة، في مقدمتها تواجد أغلب المتخاصمين في الصراع الآنف الذكر على الأرض السورية.
فالروس والأمريكان كأقطاب أساسية في حرب أوكرانيا، متقابلان مباشرة، وبمعدل أشد وضوحاً، في المشهد السوري، وكما إسرائيل وتركيا وأطرافٌ أخرى دوليّة بدرجة أقل، ما يعني أن الساحة السورية ستشكل قطب الرحى الآخر في هذا الصراع وحالة سباق، تجعل الأرض السورية ميداناً للتنافس وساحة مساومة، وكما أرضاً لمعركة مفتوحة على كل المسارات.
فالروس الذين يغضون الطرف عن الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الأراضي السورية، لحسابات ترتبط بأجنداتهم ومصالحهم القومية، لم يكونوا أيضاً غير مقايضي مصالح مع الأتراك على حساب الشعب السوري، ولم يلتفتوا أبداً إلى مصلحة الدولة السورية، وهم بحكم نفوذهم الغالب الذي أملته ظروف الحرب، يورّطون الدولة، وبالتالي الشعب السوري، إلى دفع فواتيرهم حيال الاستحقاقات الدولية، كالاعتراف بالجمهوريات الصغيرة المستقلة في إقليم دونباس (جمهوريتا لوغانسك ودونيتسك)، وعلى نفس القاعدة وعلى أنغام مصالحهم المستحقة أيضاً؛ يتواطؤون مع تركيا أردوغان لتمرير مصالحة تخبئ الكثير من المخاوف وعوامل القلق لدى فئات واسعة من السكان. ومن التجارب السابقة، ومن وحي طبخات البحص المتكررة التي زعموا أنها “طرقاً لحل الأزمة السورية”؛ يصبح حديثهم اليوم عن خطة لحل الأزمة عبر تطبيق القرار 2254، ويصبح من ينتظر منهم شيئاً مفيداً كمن يكرر الجريَ خلف السراب.
الآراء المنشورة في المنصة تعبر عن وجهة نظر كتّابها..